قبل أن أعرفه.. بأيام، تخلى قلبي عن كل شيء.

أرجو ألا يدفعكم هذا الإعتراف للتخبط، فأنا منذ عرفتموني ابدو كوردة مجمدة يتبادلها إصبعان، كنت قد تخليت عن الأمور المبهجة منذ وقت طويل، اطول من الجسور التي قطعها صديقي الغريب في طريقه إلى اليقين.

لكن ما تخليت عنه في الفترة الماضية كان أن وضعت رأسي في برميل ماء صدء، قلت للحائط وللكتب المرصوفة بالقرب إليه؛ أريد أن أزيل مساحيق التجميل.. أنها تعيق مساماتي عن احتضان النور
لكن حقيقة الأمر، كنت أريد إزالة الوجوه التي سكنت وجهي، الرموش التي حفرت كلمات صغيرة مثل:فرح.

عندما غطست وجهي في البرميل داهمني شعور بالخفة، ثم تحول إلى لا شيء، ظننت أنه الموت وفرحت أني لم أجد شيئا آخر سوى الظلام، لكني حين فتحت عيني جفلت، كان أمامي ماء ونور وحرقة بأنفي، في اللحظة التي اخرجت بها وجهي لمحت خرطوم فيل يضرب على زوايا البرميل.

حين عرفته، أحسست ببعض الأمن، بأن من أبحث عنه في المرايا قد تمثل لي أخيرا في كائن حقيقي، وذهبنا في إحدى الليالي إلى السيرك، لم نكن قد تحدثنا من قبل.. أي لا أعرف صوته، لذلك حين قال طفل ما أنه يشعر بالملل ظننته صوته وفرحت وودت لو أعانقه وأرحل مهرولة.. راكضة.. طائرة، لكن صديقي كان ينظر إلى حلبة السيرك وعلى وجهه ابتسامة تشبه ابتسامة طفل ينام على تهويدة الملائكة.
نهضت لأرحل فشد على يدي واتسعت ابتسامته فبقيت مرغمة، وابغضته.. فهذا الخارج عن المرايا لم يفهم وحدتي.. وقد مسها.

على المسرح كان الفيل يرتدي خرق مزركشة فوق رأسه ويلاعب كرة، والجمهور يصفق والأطفال يصرخون بغبطة، نظر إلي الفيل؛ عينه حزينة وفمه مبتسم، قبضت على حقيبتي، واعتراني الحنق: هل يتعرض الفيل لأشهر طويلة من العذاب والإهانات ليلاعب كرة أو ليرسم بضع خطوط، لأي شيء؟ لسعادة هؤلاء الحمقى!
وتبادر لذهني أننا لا نختلف، هذا الفيل يشعر بالضيق وأنا أشعر بالبرد، وفي البرد يتقلص قلبي، بحثا عن وجه في المرآة. ما يدهشني أني حين وجدته أردت وبقوة: فقدانه.
نعم، لوجهه بسمة ملائكية، ولروحه لطخة نور، لكن الوحدة شيء مختلف، تشبه كائن عاري ما يزال يسقط في بئر منذ سنين، تخيل.. برد وظلام واستمرار حتمي.

قبل أن أشيح وجهي إلى صديقي الذي يجلس بجانبي، كان الفيل يضرب بخرطومه على زاوية الغرفة. وكان صديقي حزينا، لقد شعر بالوحدة، أخافني أنه يشبهني كثيرا.. فرحلت مهرولة مثل أي ندفة ثلج تسقط عن الشجر.

تعليقات

المشاركات الشائعة